في صمت ثقيل يملأ سماء القدس، تتوالى عمليات الهدم الممنهجة التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي طالت أكثر من 600 منزل ومنشأة فلسطينية منذ السابع من أكتوبر 2023، بحسب ما أكدته الجهات المختصة في المدينة.
البيوت لم تكن مجرد طوب وحجارة، بل مأوى لعائلات عاشت فيها لأجيال، ومساحات صغيرة احتضنت أحلامًا، وأخرى كانت في طور البناء، قبل أن تمحوها الجرافات المدججة بالحماية العسكرية. عمليات الهدم لم تستثنِ كذلك المتاجر والمنشآت الاقتصادية، التي كانت تمثل مصدر رزق وحياة لعشرات الأسر المقدسية.
في واحدة من حلقات هذا المسلسل المؤلم، اقتحمت آليات الاحتلال بلدة حزما شمال شرق القدس، وهدمت منزلًا جديدًا، لتواصل سياسة لا تعرف الشفقة، وتهدف لتقليص الوجود الفلسطيني تدريجيًا. المأساة تتعمق حين يُجبر المواطن على هدم منزله بيده، تحت تهديد الغرامات أو الاعتقال، ليكون الضحية والجلاد في آنٍ واحد.
ورغم أن العائلات المتضررة دفعت غرامات طائلة على مدار سنوات طويلة، فإن الحلم البسيط بترخيص بناء بقي معلقًا، في ظل شروط تعجيزية ونسبة موافقات على الطلبات لا تتعدى 2%. الاحتلال يواصل تقنين الظلم، ولا يسمح بالبناء إلا في مساحة لا تزيد على 13% من القدس الشرقية.
ما يجري ليس مجرد انتهاك حقوقي، بل هو مشروع تهويد طويل الأمد، يهدف لفرض واقع جديد على الأرض، ومحو ملامح المدينة الفلسطينية. الاحتلال لا يكتفي بالهدم، بل يصادر الأرض، ويقيد التخطيط، ويشجع الاستيطان، ليُفرغ المدينة من أهلها.
ما يحدث هو جريمة تهجير قسري مكتملة الأركان، تلامس حدود جرائم الحرب، وتستوجب تحركًا دوليًا حقيقيًا، لا يكتفي بالإدانة. آن الأوان لمحاسبة دولة الاحتلال على خرقها السافر للمواثيق الدولية، ووقف هذا النزيف الذي يفتك بمدينة القدس وأهلها.